حملات انتخابية أم استمرار لمهرجان الفوضى ؟


صديقي الذي أخفق مرات عديدة في الحصول على الشهادة الثانوية، وقضى جل وقته متنقلا بين “الكاريفورات” منتقدا أداء رئيس جمهوريتي وزبانيته؛ محملا إياهم فشله وعدم حصوله على البكلوريا؛ إذ كان يردد في كل حواراته: الظلم، البطالة، غياب العدالة الاجتماعية، وفي أحايين أخرى ينادي بتكافؤ الفرص… بين ليلة وضحاها وجد نفسه رئيسا لاحدى مكاتب الدعم والمساندة التابعة لحزب “الكدنكا والبندق” وماهي إلا أيام معدودة تغير صديقنا من حال إلى حال، وأصبح بوقا للنظام في كل ملتقياتنا، وببغاء يقلد كل الشعارات الوهمية التي سئمنا من سماعها طيلة هذه السنوات العجاف والتي لا نزال نكتوي فيها بنيران الانقاذ!

في الصباح الباكر من اليوم الأول لانطلاقة الحملات الانتخابية، عرج إلي صديقي ليقِلني معه إلى حيث ميدان الأمة؛ هناك حيث أقيم “مهرجان الفوضى” برعاية الجنرال…

بينما لا أزال مستغربا من مسرحيات صديقي الذي يحاول فيها جاهدا اقناعي للذهاب معه الى حيث ميدان الأمة ، إذا بي بدجال آخر يُوقِف سيارته ويترجل منها حاملا بيده الواحدة الكثير من فرنكاتنا وبالثانية ملابس ” تي شرت” يوزعها لكل من هب ودب؛ شراطة أن يذهبوا معه الى حيث “مهرجان الفوضى” …

بائت كل محاولات صديقي بالفشل ! وأحس بالحنين لحكاياته التي كان يقلدها في وقت ما! وإذا به يعترف مترددا: ” أحمد إنت تحسب أنحنا ندورو ديبي وا؟ أنحنا ذاتا في قلبنا داخل دا ما ندورو ترا .. لكن قا نأكلو قرسا بس .. ”

واستخلص قائلا: ” … أنحنا قا نشوفو مصلحة حنانا بس يخي … تعال نمشو إنت كلا تلقا ليك شخل شيا أخير ليك … ”

لم أستغرب حينها ! لأننا نعيش في زمان مقلوب، علت فيه العيون عن الحواجب : لأن الناس يمشون على رؤوسهم، يصح تماما أن يقال بأن سمة هذا الزمان أن ينافق الناس ويتنافقون ، ولأن صديقي ليس الوحيد الذي يحمل مثل هذه الأفكار ويردد مثل هكذا سخافات ! إلا أن التساؤلات التي جالت في خاطري حينها هي: إلى متى نستمر بهكذا نفاق سياسي؟! لماذا نظل نردد دوما في ملتقياتنا بأننا ضد أداء النظام ولكن مع ذالك نستمر في غوغائه ونميل معه حيث مال؟ لماذا ننتقد أداء الجنرال حينا ونسكت في أحايين كثيرة لمجرد بضع فرنكات ووعود بمناصب مسؤولية لا تسمن ولا تغني من جوع؟ هل يمكن أن ننتقد أداء حزب “الكدنكا والبندق” بداخلنا ونذهب لنشارك معه هناك بميدان الأمة حيث “مهرجان الفوضى” أو في مكاتب الدعم والمساندة؛ نقضي اليوم كله رقصا وصرخا تحت أشعة الشمس الحارقة؟ من أجل ماذا؟ … بضع فرنكات؟! مناصب مسؤولية؟! ترقية؟!… على حساب من؟!

لا يراودني أدنى شك في أن أقول وبصوت عال بأن نظام رئيس جمهوريتي نظام فاسد ! نظام جعل من الشعب التشادي شعبا يمسك بقرني البقرة في حين أقلية تحلب وباستمرار! نظام أبقى الشباب عاطلين وبدون عمل! نظام زرع في قلوب حاملي الشهادات اليأس وفقدوا الأمل بمستقبلهم! نظام جعل من الرشوة وسيلة أساسية للحصول على أي شيء! نظام مستبد لا يسمح بأبسط ممارسات الديمقراطية؛ كتظاهرة سلمية وما شابهها مثلا! وخاصة إذا كانت هذه الأخيرة من قبل جمعيات المجتمع المدني أو التيارالمعاكس! أما إذا كانت التظاهرة من أجل دعم ومساندة رئيس جمهوريتي فتلك قصة أخرى! نظام يزج بالسجن كل من يمارس حقه الذي يتيح له الدستور ! نظام طيلة هذه السنوات العجاف أوهم ولا يزال يوهم الشعب التشادي بشعارات فضفاضة لا تمت للواقع بصلة: من أنجمينا مرآة أفريقيا مرورا بالنهضة والتنمية الريفية، الاهتمام بالشباب… وغيرها من الخزعبلات … نظام يقول جنراله بأنه سئم من شعبه!! ما عجبتوا؟! هذا النظام بحاجة إلى ركلة ليكون في مزبلة التاريخ…

نعم نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي! ولا يتآتى ذالك إلا باليقظة الحقيقية، لأنني على يقين تام بأن صناديق الاقتراع هذه لم ولا تأت بجديد! هل تعرفون لماذا؟ لأنه مهما صوتنا فلن تكون هناك شفافية في فرز النتائج! ولأن هناك أُناس مثل صديقي لا تهمهم سوى المادة! من أجل الفرنكات وبعض الوعود السرابية بامكانهم تقبل الأوامر وتزييف محاضر النتائج! نعم! ولأن هناك أناس ليست لديهم ضمائر ؛ باعوا كرامتهم: فمن أجل المادة يذهبون إلى قراهم لتمويه الواقع واعطاء أوامر لسادة قراهم بالتصويت للجنرال! ولأن هناك أناس لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية ؛ ومناصبهم المؤقتة … لذا أقولها مجددا بأن الانتخابات في جمهوريتي مجرد مسرحية أو آلية يثبت بها رئيس جمهوريتي للغرب بأن ديمقراطيتنا في تقدم، إلا أن الواقع بعيد جدا، لذا دعونا نستفيق من سباتنا العميق ونضع حدا لهكذا مسرحيات…