مثقفو تشاد : نحن الأقرب للشعوب العربية…


من جريدة الاحرام
من جريدة الاهرام

*كتب محرر الأهرام:

علاقة تشاد باللغة العربية وشعوبها قديمة منذ قبل دخول الإسلام , حيث وصلت قبائل يمنية وتأسست مملكة (كانم ) على أيديهم فى عهد سيف بن ذى يزن . وتعززت مكانتها فى المحيط العربى بمجىء الإسلام حوالى العام 46 هجرية 666 ميلادية . ومع انتشار الإسلام أصبحت اللغة العربية هى لغة الممالك التشادية القديمة . وكما يقول الدكتور حسب الله مهدى فضلة الأستاذ بجامعة الملك فيصل فقد كان أقدم شاعر عربى تشادى هو ابراهيم الكنمى فى حوالى القرن 12 ميلادى على عهد صلاح الدين الأيوبى فى مصر . ويضيف عندما احتل الفرنسيون بلادنا فى العام 1900 وبعد معارك استمرت 10 سنوات سيطروا فيها على كل أرض تشاد ارتكبوا مجزرة (الكب كب) ومعناها القتل بالساطور فقتلوا ما يقارب 1000 عالم يتكلمون العربية ويدينون بالاسلام ومن هنا انحدر مستوى اللغة ورفض المواطنون التعامل مع الاحتلال الثقافى لدرجة انهم كانوا يهربون أبناءهم الى السودان ومصر وليبيا حتى لا يتأثروا بالاستعمار.وعندما عاد أحدهم وهو عليش عووضة الذى تلقى تعليمه فى الأزهر الشريف اسس معهدا أزهريا أكاديميا فى مدينة أبيشة فى عام 1942 تخرج منه آلاف الناطقين بالعربية .

والآن فى عهد الرئيس إدريس ديبى واعتبارا من العام 1990فقد تأسست مجموعات من روابط اللغة العربية حتى تم مؤخرا انشاء الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية فى تشاد عام 2012 كمظلة لجميع هذه الروابط لتوحيد جهودها فى هذا المجال . وحول علاقة التشاديين بأشقائهم فى الدول العربية قال: فى بلادنا تعدد دينى وقبلى وعرقى وهناك 3 جماعات دينية رئيسية هى المسلمون والمسيحيون والوثنيون كما توجد 3 تيارات اسلامية هى التيجانية والسلفية وجماعة التبليغ والدعوة ومن المعتاد أن تحدث خلافات بين الصوفيين والسلفيين ولكن ما زالت الأمور تحت سيطرة الدولة .كما يوجد تنوع لغوى ولكن اللغة العربية هى لغة الأغلبية رغم أن اللغة الفرنسية هى اللغة الرسمية الأولى تليها العربية .

وقال (فضلة) لدينا عتاب على إخواننا العرب فالتشادى يعرف كل شىء عنهم ولكنهم لا يعرفون شيئا عنا نحن مهملون على المستوى العربى الرسمى وأيضا الشعبى , وأنا أطالب كمهتم بالعروبة عرقا وانتماء بتبادل ثقافى على مستوى شعبى من خلال المراكز الثقافية والمنظمات المعنية باللغة والعروبة ومنظمات المجتمع المدنى وزيادة البعثات العلمية الجامعية . وبحزن شديد قال لى تخيل أنه لا توجد فى بلادنا حتى الآن مطبعة عربية للكتب والصحف . أما أهم ما قاله الرجل وأثار حزنى فهو: بلادنا ليست عضوا فى جامعة الدول العربية ولكننا الأقرب للعالم العربى من بلاد أخرى تحظى بعضويتها ودعم العرب! ورغم ذلك فيكفينا أن نحظى بوضع متميز من حيث تأشيرات الدخول والإقامة كما تفعل مصر مع دول أخرى إفريقية.

تركت الدكتور حسب الله مهدى فضلة والتقيت بالكاتب والشاعر التشادى موسى حسن شارى الذى قال لى: إنه بعد الاستقلال وفى عهد الرئيس فرانسوا تمبلباي دشنت ثورة ثقافية لإعادة البلاد إلى ثقافتها الإفريقية تبعها ثورة فورلينا فى الستينات وكان من أهدافها استعادة العلاقات مع الدول العربية حيث كان زعماؤها متأثرين بثورة مصر وبالرئيس جمال عبد الناصر حيث إن معظمهم كان قد تعلم هناك وعقب ثورة كوكونى ودي عام 1979 وجدت اللغة العربية دعما كبيرا من الجارة ليبيا ثم فى عهد الرئيس حسين حبرى تم الاعتراف بالشهادة الثانوية العربية وتوظيف حملتها فى الحكومة وقد كان ذلك تطورا تاريخيا مهما, ثم تم الاعتراف باللغة العربية رسميا فى دستور 1996 كما جرى انشاء جامعة الملك فيصل التى تدرس بالعربية وجامعة إنجامينا باللغتين الفرنسية والعربية .

وأضاف عيسى أنه فى الثمانينيات من القرن الماضى بدأت تظهر النعرات الطائفية والمذهبية وهذا خطر شديد على مجتمعنا المعروف بالتسامح بسبب محاولات الاستغلال السياسى للواقع الجهوى وقد ظهر ذلك جليا بعد وفاة أباتشا قائد ثورة فرولينا وما زالت آثاره ممتدة حتى اليوم على مستوى الأحزاب والجمعيات الدينية والمنظمات .

وحول العادات والتقاليد قال : إنها تختلف من الجنوب إلى الشمال ففى بعض القبائل المسلمة عندما يموت شخص مثلا يحدد أهله يوما للصدقة تذبح فيه الذبائح ويدعى الناس من كافة الأماكن مهما كانت بعيدة لتناول الطعام ولا بد من الحضور, كما ان العريس فى بعض القبائل أيضا يقوم باصطحاب أقاربه وأصدقائه لخطف عروسه ليلة الزفاف. أما الجنوبيون وهم المسيحيون والوثنيون فإنهم يرقصون ويغنون عندما يموت أحدهم والبعض الأخر ما زال يدفن كل متعلقات الميت معه فى قبره بما فيها ممتلكاته الثمينة كالذهب والفضة وكل الأدوات التى كان يستخدمها فى حياته .

اختتم موسى لقاءه معى بالقول : ما يهددنا فى الحقيقة هو نمو الجماعات الاسلامية المتشددة منذ بداية التسعينات حيث وجدت قبولا مذهلا فى الداخل نظرا لتلقيها أموالا خارجية خاصة من دول الخليج وتركيا وقد نشأت أساسا للقضاء على المذهب التيجانى الصوفى والمخيف أنها تتزايد يوما بعد آخر بشكل ملفت مما قد يهدد مستقبل وحدة الدولة بسبب الخلافات الحادة بين ابنائها خاصة الصوفية والسلفية , مما قد يمهد أرضا خصبة لانتقال داعش من نيجيريا والكاميرون الى بلادنا اعتمادا على الخلايا النائمة هنا .

تركت موسى وأنا استشعر الخطر القادم من غرب الحدود المصرية عبر ليبيا أو من جنوبها عبر السودان فكما هو معروف ومثبت فإن طريق السلاح والمخدرات اللذين يتم تهريبهما إلى مصر يبدأ من موريتانيا على ساحل الأطلنطى مارا بشمال مالى وجنوب الجزائر ودول بحيرة تشاد وليبيا والسودان !

المصدر : جريدة الأهرام