التعايش السلمي في تشاد: بين الواقع والمأمول…


journaldutchad
journaldutchad

 

نظرا لموقعها الجغرافي، وتمركزها في قلب القارة الأفريقية، أصبحت جمهورية تشاد ملتقى للثقافات والأديان، ونتيجة لهذا التباين الديني والمزيج الاثني، أضحت بلاد توماي جسرا للتواصل بين أفريقيا جنوب الصحراء وشمالها، ومركزا ومثالا يحتذى في مجال حوار الأديان والتعايش السلمي بين الطوائف من طرف آخر، ولكن ما الذي يعنيه التعايش السلمي على أرض الواقع؟
إيماني بمبدأ الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، واعتقادي الجازم بأن الوحدة الوطنية تكمن في التنوع الثقافي والاثني والديني، يقوداني إلى أن أشاطركم تجربتي الشخصية عن التعايش السلمي، والتي بدأت من هناك،حيث إحدى حارات العاصمة التشادية التي ولدت وترعرعت فيها!

حينها، لم نكن نذكر إلى أي قبيلة ننتمي، ولا من أي منطقة ينحدر أجدادنا، ولم تعد الديانة-أي كانت- تشكل عائقا أو حاجزا أمام مواصلة علاقاتنا التي كانت حينها –ولا تزال- مبنية على المحبة والأخوة والاحترام، حيث الجمعة الناس ذاهبة إلى المسجد والأحد قادمة من الكنيسة، هكذا كانت الثقافة التي تربينا عليها وارتوينا من مياهها ،إذ كنا نحضر المناسبات الاجتماعية ونتشاطر الأفراح والأحزان… كنا على هكذا النحو إلى أن شق كل منا دربه في الحياة، إلا أن العلاقات وأواصر الصداقة والأخوة بيننا لا تزال قائمة إلى يومنا هذا رغم بعد المسافات.

ولكن وبكل إنصاف، هناك جانب آخر مظلم لا يبعث التفاؤل في النفس كثيرا بدأ في الاشعاع، وربما لو ترك واستمر على هكذا الشاكلة لربما سوف يجر ببلادنا نحو نفق مظلم يصعب إيجاد طريق الخروج منه! يرجع هذا ربما إلى بقايا و شوائب الحروب التي شهدتها تشاد في العقود الماضية والتي كان بعض السياسيين يرفعون فيها شعارات دينية وجهوية وقبلية…
وكأن حليمة عادت لعادتها القديمة!

حيث بدأنا نشاهد بعض السياسيين والمتعصبيين يرفعون شعارات –ولو بصوت خافت- دينية وجهوية، وبدأت أصواتهم تتعالى يوما تلو الآخر، حيث مثل هكذا الأفكار المتحجرة بدأت تغزو بعض فئات الشباب الذين هم قادة المستقبل! وأصبح الحديث عن الشمال والجنوب، والاسلام والمسيحية حديث الساعة، و يصدقني القول، كل من يتابع بعض صفحات التواصل الاجتماعي!ناهيك عن التجمعات الجهوية والقبلية التي بدأت تظهر مؤخرا في المؤسسات التعليمية، ومؤسسات الدولة والى ما هنالك من الأماكن التي تجد فيها الناس بدأت تتخذ من الطابع الجهوي والديني ثقافة جديدة، وكأني بهم يقولون: “الطيور على أشكالها تقع”.
• فهل هذه تعتبر بوادرا لمشكلة عويصة على المحك؟
• و هل تساهم مثل هكذا العقليات الرجعية في الوحدة الوطنية والتعايش السلمي الغاليين لسيدي الحاكم وقادة الدين ؟
• وأي منحى يجب علينا اتخاذه لتقريب وجهات النظر بين الطوائف الدينية؟
• وأي آليات حقيقية يجب علينا تطبيقها على أرض الواقع لكسر مثل هكذا الحواجز، كي تعم ثقافة السلام؟

 

للإجابة على كل هذه التساؤلات العالقة، و تعزيز وتعميق أواصر العلاقات بين الأديان،وتقليص الهوة، وتقارب وجهات النظر بين شتى الطوائف، والخوف من أن تدفع بنا مثل هكذا الأفكار التعصبية صوب دوامة دموية،جاء رد سيدي الحاكم يوم17/نوفمبر/2011 م، في المرسوم الرئاسي الذي ينص إلى إقامة يوم وطني – في كل عام – للصلاة من أجل السلام والتعايش السلمي والوفاق الوطني في تشاد، حيث يجتمع في هذا اليوم قادة الطوائف الرئيسية في تشاد :(المسلمين، والكاثوليك ، والبروتستان)،وأتباعهم، ليجلس كل منهم جنبا إلى جنب للصلاة من أجل السلام ، وحث الناس على الاحترام المتبادل وحب الآخر،ونبذ التطرف و التعصب والانقسام، وأضيف في جدول برنامج نسخة هذا العام الذي يفترض أن يبدأ يوم غد الجمعة الموافق 28/نوفمبر/2014 م، ندوات ومؤتمرات تتطرق إلى قضايا المرأة والشباب والقادة الدينيين والتركيز على مشكلة التطرف في المنطقة، بمشاركة قادة دينيين من بعض الدول، وسوف تستمر هذه الندوات والمؤتمرات لمدة أسبوع!

 

ولكن:
هل ستسهم مثل هكذا الصلوات التي تقام  مرة في كل عام، في زرع ثقافة السلام وتقريب الهوة بين أتباع الطوائف الدينية؟
وهل المفتاح السحري لمشكلة التعايش السلمي يكمن فقط في هذا الأسبوع؟
أليست المشكلة شخصية أكثر من مجتمعية؟
هل بادرنا وقمنا بانشاء صداقات ؟
ألسنا كلنا تشاديين؟!
هل سألنا أنفسنا – مسيحيين أو مسلمين-يوما عن الدوافع والأسباب التي تجعلنا معزولين وبعيدين عن من يختلف عنا في الدين؟
أم أن الشعب التشادي شعب مسالم والتعايش السلمي أمر واقع، وكل هذه الصلوات وغيرها ما هي إلا ضحك على الدقون؟!