عندما يعبر الطلاب عن غضبهم….ماذا بعد؟!


صورة من قلب الحدث والمحتجين في أوج مطالباتهم...
صورة من قلب الحدث والمحتجين في أوج مطالباتهم…

منذ هبوب رياح التغيير أو ما أصطلح عليه “بالشتاء الأفريقي” على بوركينا فاسو، زرعت في قلوب أغلب شعوب المنطقة الاحساس بإمكانية صنع التغيير، وأحيت في نفوسهم روح الثورة على الحكام والمطالبة بالحياة الكريمة، و خاصة فئة الشباب والطلاب والسياسيين وأعضاء النقابات، الذين كثفوا مؤخرا من الادانات والمطالبات بكل ما أتيحوا من الوسائل…فبالنسبة لهم : شعوب المنطقة ليست أفضل حالا من الشعب البوركيني، وليست أقل وعيا كما يدعي البعض، فاذا كان الحال كذالك، فما الذي يمنعهم من المطالبة بحياة كريمة؟ أو قول “لا” لاحتكار السلطة و “نعم” لتداول السلطة؟ فهل سينجح في هذه البلاد ما نجح في بوركينا فاسو؟ أم أن الأمر برمته لا يعدو مجرد زوبعة في فنجان؟

 
الشعب التشادي كغيره من شعوب المنطقة، حيث معنوياته باتت مرتفعة للمطالبة بحياة كريمة، والمطالب باتت تقال على العلن، فبدورها نقابة معلمي تشاد التي نادت منذ أيام بضرورة دفع رواتب المعلمين في الأوقات المحددة، وتلوم الحكومة على هذا التأخير الذي لا مبرر له، ودعت منتسبيها ومندوبيها، عبر مؤتمرها الصحفي إلى الدخول في إضراب “تحذيري” لمدة يومين قابل للزيادة …احتجاجا منها على تأخر الحكومة في صرف رواتب المعلمين لشهر أكتوبر، في حين أن الحكومة تدافع وتقول بأن التأخير نتج بسبب الاحصاء العام لموظفي الدولة الذي أجرته مؤخرا…

 

الطلاب أيضا لم يتحملوا بدورهم غياب المعلمين في الفصل طيلة هذه الأيام، فسئموا من المجيء والذهاب فقرروا كسر صمتهم دعما ومساندة لمعلميهم والتعبير عن عدم رضاهم بماهو جاري، واستغلوا شبكات التواصل الاجتماعي! ليتخذوا من “ثانوية الحرية مقرا لهم” وخرجوا يجوبون في الشوارع ويستهدفون السيارات الحكومية والمدارس الخاصة، وماهي إلا لحظات فقط وانضم إليهم إخوانهم من الثانويات الأخرى، تأييدا لمبادرة أخوانهم، ورفعوا شعارهم بأنهم سوف لن يهدأ لهم بال إلا بعد أن يتم صرف رواتب المعلمين…

 

في الوقت نفسه وفي جنوب البلاد وبالتحديد في مدينة “سار” بدأت الشرارة منذ الرابعة فجرا،تلبية للمبادرة التي أطلقها المعلمين والنشطاء والمحامين، وحصلوا على دعم شبه كامل من أغلب سكان المدينة، حيث النساء تأخذ معها أواني الأكل لتضربها مع بعضها لافتعال ضجيج، مساندة منهن للمعلمين وتعبيرا على غلاء المعيشة وعلى أزمة الوقود التي أثرت سلبا على حيات الناس اليومية… ومنها انتقلت الشرارة إلى مدينة “مندو” التي لا تبعد كثيرا عن مدينة “سار” حيث الناس خرجت في الشوارع وسيطرت على أكبر محطة تزويد وقود وصهريج كان تابع لها، وبدأو متجهين نحو المقارات الحكومية….

 
في بادئ الأمر كانت الحكومة في موقف “المتفرج الحذر” إلا أنها و بعد دقائق فقط، تأكدت بأن هذه الاحتجاجات بدأت تأخذ طابعا آخر! ورقعتها بات في توسع مستمر ، وربما إذا تركت الحال كما هو عليه ستتغير المطالب من “الشعب يطالب بدفع رواتب المعلمين….الشعب يطالب بحياة كريمة” إلى “الشعب يريد إسقاط الرئيس..” فما عليها إلا أن بعثت بالشرطة الوطنية لتفريق الناس بالغازات المسيلة للدموع، وهناك أخبار متداولة عن اطلاق رصاصات حية، ولكن الطلاب في مقاومة والجموع في إزدياد والرسائل في انتشار….فاضطرت الحكومة بأن تغير الاستراتيجية: فخرج وزير المالية والميزانية بعقد مؤتمر صحفي طارئ يوضح ويطمئن فيه المعلمين بأن الرواتب تم تحويلها الى البنوك من الأسبوع الماضي! وأن المدرسين بامكانهم سحب رواتبهم من الغد، وأن هذه الاحتجاجات غير مشروعة!!….وهكذا وضع الطلاب بصمتهم،  وجعلوا من الحادي عشر من نوفمبر تاريخا وحدثا هاما سوف لن ينساه الشعب التشادي قريبا، وألقن للشعب درسا مفاده بأن المطالب تؤخذ ولا تعطى!! وأنه لن يكون هناك وعيا إلا عندما تكون هناك ثورة، ولن تكون هناك ثورة إلا عندما يكون هناك وعي!! وإلى أن نستفيد نحن الشعب من هذا الدرس ونسجل رقما قياسيا جديدا، سيظل هذا الحدث باق ومحفور في أعماق ذاكرتنا.