الذهب الأسود … نعيم مفقود أم فردوس موعود ؟


cameroon_chad_pipeline

في خطابه الذي ألقاه بتاريخ 10-10-2003 أثناء الحفل الرسمي لإفتتاح الأنابيب البترولية، وإعطاء الضوء الأخضر لإنطلاقة عملية تصدير الذهب الأسود عبر تلك الأنابيب، قال رئيس الجمهورية السيد إدريس ديبي، مفتخرا بالإنجاز الذي حققه، وواعدا شعبه بالانعكاسات الايجابية التي سوف تنجم عن هذا الذهب الأسود: <<…إن تنمية صناعة خام البترول،ستستفيد منه كل الأمة التشادية..>> حينها، غمرت السعادة أغلب الشعب التشادي الذي تابع الحفل مباشرة عبر الفضائية الوطنية، وخاصة سكان القرى الواقعة في نفس المنطقة البترولية (دوبا) حاضرة إقليم لوغون الشرقي- مدينة بترولية واقعة جنوب البلاد- الذين أبت أنفسهم في ذالك اليوم، إلا وأن تركوا مزارعهم، ومواشيهم، لحضور الحفل! رقصوا وغنوا ترحابا بالضيوف، وآمنوا بخطاب الرئيس، وكلمات بعض السياسيين، واعتقدوها وعودا قابلة للتحقيق في المدى القريب، فبنوا لأنفسهم طموحات وأحلاما عظيمة، وحلموا بالحياة الرغيدة، وبجنان دنيوية موعودة، إلا أن سعادتهم لم تدم طويلا: لأن الخطابات ظلت مجرد حبر على ورق، وأن قراراتهم لم تشهد أي إنجاز يذكر، أضفا إلى ذالك، تغيرت أحوالهم من سيئ إلى أسوء…

يذكر أن البنك الدولي في بداية العام 2000 كان الشريك الرئيسي لحكومة تشاد، فقد أبدى موافقته لمشروع بترول دوبا: حيث مول تشييد الأنابيب البترولية ب( 3.5 ملياردولار)، من (دوبا) وإلى حيث المحطة النهائية بميناء كريبي الكمرونية، الواقعة على المحيط الأطلنطي، حيث يبلغ طول هذه الأنابيب حوالي 1070 كم، بالمقابل اشترط على تشاد ومجموعة الشركات المنقبة، بأن تستخدم الإيرادات البترولية في:
• تخفيض نسبة الفقر..
• تقليل الانعكاسات السلبيية لمشروع البترول، على المواطنين..
• إيداع 10% في حساب خاص، للأجيال القادمة..
• تخصيص 80% من الايرادات المتبقية، للقطاعات الأساسية: التعليم، الصحة، التنمية الريفية، البنية التحتية…
• 5% لتنمية المنطقة البترولية..
• ونسبة لا تزيد عن 15% للميزانية العامة للدولة..

إلا أن الأتفاقية لم تدم طويلا، فقط انسحب البنك الدولي عام 2008 ، مبررا بأن حكومة تشاد اخترقت الاتفاقية ولم تحترم الشروط المذكورة أعلاه، وقد استخدمت الإيرادات لشراء أسلحة، إلا أن الرئيس التشادي رد بأنه حينها، كان بحاجة للسلاح لمواجهة الثوار…

الدكتور ريماجي هويناتي (Rémadji Hoinathy) في كتابه: البترول والتغيير الإجتماعي في  تشاد، والذي تناول فيه استغلال الذهب الأسود وإنعكاساته على سكان المناطق البترولية خاصة، والشعب التشادي عامة، حيث أشار الدكتور في بحثه على أن نسبة ال % 5 أو بالأحرى ( 5.8 مليار يورو) التي خصصت لتنمية المنطقة المنتجة، لم يستفد منها إقليم لوغون الشرقي، وأن من ضمن ال 1027 قرية التي تشملها لوغون الشرقي، لم تستفد منها سوى 3% فقط، وحتى هذه القرى التي استفادت، يرجح سبب استفادتها إلى أنها كانت في الواجهة، فاضطرت الحكومة لوضع بعض اللمسات فيها، واستخدامها كمرآة لتعكس إنجازاتها في المنطقة للزوار.

نظرا لإنتقادات جمعيات الحفاظ على البيئية، والمنادين بحقوق المواطنين من طرف، ومشكلة الغموض وانعدام الشفافية في إدارة الايرادات البترولية من طرف آخر، اضافة الى ترتيب تشاد وموقعها المعيب في أغلب التقارير العالمية التي تعدها بعض المنظمات، كالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وغيرها! دفعت تشاد في عام 2009 بالانضمام إلى (ITIIE) : مبادرة عالمية تجبر الحكومات على نشر إيرادات مواردها المستخرجة بشفافية…

و بعد مرور عشر أعوام على استخراج البترول التشادي، خرج وزير البنية التحتية ولأول مرة في إحدى البرامج، وكأنه يقدم تقريرا أوليا بطريقة غير مباشرة، حيث ذكر في حديثه : “…تشاد تنتج بمعدل 120,000 برميل في اليوم، فبين 2004-2011 ، البترول جلب لتشاد حوالي 3000 مليار فرنك سيفا (4.5 ملياريورو) – 5000 مليار فرنك سيفا حسب بعض المنظمات والجمعيات-  الطرق المعبدة، وصلت من 300 كم الى أكثرمن 2000 كم، تم زيادة عدد الجامعات من جامعة واحدة، إلى سبع جامعات، ناهيك عن المعاهد الجامعية، ثانويات ومدارس :حيث تم زيادة الفصول الدراسية بمعدل ألفين قاعة دراسية في كل عام، مستشفيات و خزانات مياه، إضافة الى المشاريع الجارية في أنجمينا من شبكات طرق ..مباني للوزارات.. ومؤسسات أخرى تابعة للدولة “…

ربما لا يختلف مع الوزير أغلب الشعب، فاليوم عندما نتمشى في بعض شوارع العاصمة أنجمينا نشاهد الكثير من المباني الجديدة، بداية من الطرق والوزارات مرورا بميدان الأمة الذي لا يزال هدفه غامضا للكثيرين، ناهيك عن صينية الجندي الكبير وتمثال الفارس الذي كلف الدولة 16 مليار دولار فرنك سيفا، ولكن مساحة تشاد ليست متمثلة فقط في بعض شوارع أنجمينا!! وحيث أن الإسئلة التي يجب أن يعاد طرحها مرارا وتكرارا هي:

• ما الذي غيره الذهب الأسود في حياة المواطنين ؟

• ما الفائدة من كل هذه الإنجازات، عندما تخفق الحكومة في توفير الكهرباء بشكل دائم للمواطنين؟

• وما هي جودة هذه الانجازات، إذا كانت العاصمة تغمرها مياه الأمطار في كل عام؟

• ما الذي تم وضعه كبرنامج حقيقي لتحسين حياة المواطنين؟

• …الخ!

ربماالإجابات على كل هذه التساؤلات تكمن في الخطاب الذي ألقاه الرئيس مؤخرا في الحفل الافتتاحي لمشروع بترول بديلا(Badila) – بجنوب البلاد- عام 2013 والتي أوكلت فيها مهمة التنقيب للشركة الكندية (Griffith Energy)، شدد الرئيس وأصر في حديثه على أن تشاد ليست دولة بترولية، ستصبح دولة بترولية عندما تضخ 500,000 برميل في اليوم، وأضاف : ” والى ذالك الحين يجب علينا أن نعزز كفاءاتنا في جانب الزراعة، والثروة الحيوانية، اللذان يمثلان أساس اقتصادنا، لا تحلموا كثيرا…” نعم يا سيدي الحاكم، سوف لن نحلم كثيرا…