حواء: الشابة التي تحدت العادات والتقاليد…


1403523261350

هذه القصة التي نحن بصدد الحديث عنها ، ليست قصة من نسج خيالنا، أو سردا لإحدى حكايات ألف ليلة وليلة، ولكنها قصة حقيقية لشابة طموحة تحدت العقبات والعوائق، واجتازت العادات والتقاليد، لتتخذ من “الكفاح” روتينا حياتيا، ومن عبارة “لا مستحيل تحت الشمس” شعارا لها، لتفاجئ الجميع فيما بعد، بانجازها المتواضع، وتبعث برسالة فخر واعتزاز لأخواتها وزميلاتها اللاتي تركن الدراسة أو أجبرن على تركها، وفقدن الأمل بسبب الزواج وتابعاته! وترسل رسالة قوية، تحمل في فحواها “نعم، نستطيع” لكل من كان يظن أن مستقبل المرأة يكمن فقط في البيت أو المطبخ…

في بداية مسيرتها الدراسية لم تختلف كثيرا الشابة حواء، عن غيرها من زميلاتها وأصحابها في الفصل، فقد كانت شابة طموحة ومجتهدة وناشطة، كان حلمها أن تكمل دراستها و تصبح في يوم من الأيام طبيبة، لم يستمر حلمها كثيرا ! فقد كانت في صفها الثالث الإعدادي وعلى موعد مع الشهادة الإعدادية، عندما ساق إليها القدر زوجا رضي به أهلها، ورضيت به: ربما لأنها العادات والتقاليد، إلا أنها وبعد أن تزوجت أصرت وعزمت على مواصلة مسيرتها التعليمية، وقالت في دخيلة نفسها :<< الزواج سوف لن يكون عائقا أمام رحلتي لتحقيق أهدافي، وسأفعل كل ما بوسعي للتوفيق بين حقوقي الزوجية وواجباتي المدرسية>>…

أنجبت طفلتها الأولى، وهي في نهاية صفها الأول الثانوي! فرحت كثيرا حينها، إلا أنه في الوقت عينه كانت تراودها بعض الأفكار: هل تجمد سنتها الدراسية كي تهتم بتربية طفلتها وأداء واجباتها الزوجية؟ أم أنه بإمكانها مطاردة الهدفين في آن واحد؟ بما أن والدتها لا تزال على قيد الحياة – أطال الله في عمرها- وضعت حواء خطة محكمة للتوفيق بين الهدفين، بإشراك والدتها،لأنها وصلت إلى قناعة تامة بأن تجميد السنة الدراسية لن يكون حلا !

فمع بداية صفها الثاني الثانوي، كانت تأتي في كل صباح من بيتها لتترك طفلتها مع والدتها كي تذهب هي إلى المدرسة، ثم ترجع في المساء لأخذ طفلتها وترجع إلى حيث إقامتها الذي يبعد بضع أحياء من بيت والدتها! استمرت حواء بهذا الروتين وعلى هذا النحو إلى أن امتحنت الشهادة الثانوية، حتى ظن البعض بأنها ولدت لتعاني، وخاصة عندما أضحت المعاناة جزء لا يتجزأ من حياتها…

كل هذا الروتين الممل والمعاناة اليومية التي أرهقتها طيلة هذه الفترة لم تأت بثمارها، فقد أخفقت في تجربتها الأولى للحصول على الشهادة الثانوية، وبالتالي تبخرت كل مخططاتها وآمالها المستقبلية، أصيبت بإحباط عام، وظلت مصدومة لبعض الوقت! لم تصدق أنها لم تنجح، فقد كانت طيلة مسيرتها التعليمية من بين المتفوقات، ، فبدلا من إلقاءها باللائمة على المصححين ولجان الامتحانات، تحملت مسؤولية فشلها، مسحت دموعها، ووضبت أغراضها، وتشمرت استعدادا للسنة الدراسية الجديدة القادمة…

إيمانا منها بالمقولة القائلة بأن “الاستسلام هو الموت البطيء” واعتقادها الجازم بأن الفاشلون هم أقرب الناس إلى النجاح فقط لو استمروا، وإصرارها وعزيمتها على مواصلة الدراسة، دفعاها لنسيان إخفاقها ومعاناتها، وقاداها لإعادة تجربة الشهادة الثانوية للمرة الثانية…إلا أن هذه المرة كانت المعاناة في ذروتها ، فقد كانت حامل وأم لطفلة، رغم ذالك أنها لم تعرف للاستسلام سبيلا ، فقد كثفت من اجتهادها وحسنت من أدائها بالدورات الخاصة في بعض المواد، إذ كانت تسهر الليالي أياما و أيام، فقد تعودت على أن لا تخجل من نفسها وألا تضمر شيء استعصى عليها، فقد كانت تسأل من هم أدرى منها، وهكذا دواليك، إلي نهاية العام الدراسي..وكأن لسان حالها يقول:
ستجري الرياح كما تشتهيها سفينتنا *** نحن الرياح ونحن البحر والسفن

لم يبق إلا ثلاث أيام فقط على الامتحان، فقد كانت في تلك الليلة، أنهت واجباتها المنزلية وتعشت هي وزوجها بصحبة طفلتهما، لتعود بعدها إلى أوراقها المبعثرة لمواصلة استذكارها، وتركيزها على بعض النقاط الأساسية، وإلقاء النظر لبعض الامتحانات السابقة، فبينما كانت في خضم مراجعاتها وحلول مسائلها الرياضية، بدأت تحس بغصة وانقباض بين الفينة والأخرى، وجرى الأمر سريعا واختلط عليها الحابل بالنابل، فبين أن يخبر زوجها لإحدى جاراتها، والاستعداد لأخذها إلى المستشفى، فإذا بها ترزق بمولود جديد!

حمدا لله أنها لم تكن تعاني من شيء، فقد كانا سليمين مع طفلها،إلا أنها في الوقت ذاته كانت متعجبة للعبة القدر هذه، فكل ما كانت تفكر به حينها، هو كيفية الإقدام على الامتحان وهي على هكذا الشاكلة، ولكنها أخيرا قررت وعزمت على أن لا يذهب جهدها سدى، ذهبت وأقدمت على الامتحان في الأيام المحددة، إذ كانت الناس حينها تأتي لتبارك لها بالمولود الجديد، وهي في الصالة تمتحن!

تم إعلان النتيجة و وجدت اسمها من ضمن الناجحين، ما إن تم إعلان النتيجة إلا وانهمر الناس حولها، والاتصالات لم تنقطع عنها البتة، فالناس تأتي فرحة لتهنئها بهذا الإنجاز، رغم أنه بداية لمشوار جديد، ولكن مع ذالك فقد كان له ذوق خاص، كيف لا؟ والناس يومها كانت تحتفل بالمولود الجديد، وهي كانت في القاعة تمتحن…

قصة حواء ليست القصة الوحيدة التي تستحق أن يركع لها قلم، ولكنها ربما تعتبر بمثابة القصة التي تبعث الأمل والفخر لكل “حواء” أجبرتها أو دفعتها الظروف بطريقة أو بأخرى لترك الدراسة، فمن هنا وعبر مدونتنا، نرفع قبعتنا تحية وإجلالا ل حواء، التي ضحت واجتهدت ولا تزال تكافح لتحقيق أهدافها ، وتحية أخرى لكل “حواء” لا تزال على طريق الكفاح، الذي لطالما صاحبه الكثير من العوائق والعقبات، متمنين لهم حظا سعيدا ومزيدا من الإنجاز…